لعل السؤال الأهم يدور حول حقيقة المخاطر التي تتحدث عنها إسرائيل حول إيران وعن إمكانية امتلاكها سلاحاً نووياً في المستقبل القريب.
هل فعلياً هناك خطر يهدد إسرائيل ولذلك سوف تنفذ عملاً عسكرياً يسهم في منع أو على الأقل إبطاء عملية حصول إيران على السلاح النووي؟ إذا كان الجواب نعم، فسوف تصل إسرائيل إلى المفاعلات النووية الإيرانية قبل أمريكا وأوروبا، وفي هذا السياق، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن تل أبيب لن تسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي، مؤكداً أن إسرائيل “لا تعول على أي اتفاق مع نظام متطرف”، وأضاف: “لن نسمح لنظامكم المتطرف والعدواني بامتلاك الأسلحة النووية”.
على الجانب الآخر، يدور السؤال ذاته، ولكن في الجانب الأمريكي حول حقيقة المخاطر التي تتحدث عنها أمريكا في حال امتلكت إيران سلاحا نوويا؟ إذا كان مفهوماً للجميع أن إسرائيل تدافع عن أمنها القومي من خلال محاولة منع إيران امتلاك سلاح نووي، فلماذا تسعى أمريكا إلى منع إيران امتلاكها السلاح بمساعدة أوروبية وروسية؟ أليس حلفاء أمريكا هم الأجدر بأن يكونوا ضمن فريق التفاوض مع إيران؟ أين دول الخليج وإسرائيل من محاولة عودة أمريكا إلى الاتفاق النووي؟ لماذا تستبعدها إذا كانت تخاف على المنطقة وحلفائها من خطر امتلاك إيران سلاحا نوويا؟ سؤال يحتاج إلى إجابة..
الرئيس الأمريكي بايدن يخوض تحدياً كبيراً في تحديد ماهية الصفقة مع إيران: هل هي صفقة تفاوض أم صفقة ترويض لإيران في المنطقة؟ وهنا يمكننا القول إنه لو لم تكن هناك محاولات إيرانية لامتلاك سلاح نووي، لكانت السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط قد ماتت منذ زمن، ولإثبات تلك النظرة يمكن القول إن العقود الأربعة الماضية من تاريخ إيران قد وفّرت مادة حية للسياسة الأمريكية التي تذهب إلى ما هو أعمق من ذلك في علاقاتها مع إيران التي تمتد لسبعة عقود مضت، كانت العلاقة بينهما في عملية مد وجزر، ولكنها فعليا لم تثمر مرحلة حاسمة تحقق الانتصار لطرف من الأطراف.
الصورة التي أمامنا اليوم تتشكل من عالم مصطنع من الخوف والآمال والتوقعات التي يوجدها التحليل والتنبؤ بالمستقبل وماهيته، فها هي إيران النقطة الأخيرة في سباق تتنافس فيه ظاهرياً أمريكا مع إسرائيل من أجل منع هذه الدولة من الوصول إلى امتلاك سلاح نووي، ونحن في الدول المحيطة بإيران ما زلنا ننتظر مَن يصل أولاً! مع اعتقاد ظاهر بأهمية منع إيران من الحصول على سلاح نووي لما في ذلك من إشعال مستمر للنار في المنطقة، أما على الجانب الآخر تدور في مخيلتنا صورة من عدم اليقين حول النهاية التي نتمناها، والمتمثلة في منع إيران من امتلاك سلاح نووي يمكنه تدمير المنطقة، وقيادتها نحو صراعات تاريخية حادة.
الحاجات التي خلقتها نزعة الأمن القومي والخوف من الدخول في سباق تسلح نووي، تأتي خلف جبل من القلق حول مسار الأزمة مع إيران وبرنامجها النووي، ما قد يؤدي إلى إحياء أزمة في المنطقة يستحيل إرضاء شهوتها الانتقامية، إلا بتدمير كامل للمنطقة وإدخالها إلى مسرح الأزمات الدولية.
المشهد السياسي وانتظار مَن يصل أولاً إلى إيران ربما يضعنا أمام احتمالية استهداف مكتسباتنا التنموية والاقتصادية، فلا أحد يدرك الكيفية التي قد تستجيب بها المنطقة لهجوم إسرائيلي على المفاعلات الإيرانية، أو حتى اتفاق أمريكي أوروبي مع إيران، إذن المشهد يمتلك من الصور ما هو أبعد من المشاهد أمامنا كدول خليجية، فالدافع الذي تقف خلفه إسرائيل مختلف تماماً عن الدافع الذي تقف خلفه أمريكا، والاثنان مختلفان عن الدوافع التي ترغب دول الخليج في تحقيقها للمنطقة.