اخترنا لكم

عصر الجفاف.. البشرية إلى أين؟


ما الذي تجري به الأقدار على سطح الكرة الأرضية؟ وهل كانت الجائحة ثم الحرب الروسية-الأوكرانية غير كافية لتصاب بحالة جفاف نادرة لم تحدث منذ خمسة قرون خلت؟

مثير جدا، وإلى حد الخوف والهلع، حال المناخ على سطح الأرض، وما من أحد قادر بالقطع على وجه اليقين بمستقبل الكوكب الأزرق.

في سبعينيات وثمانينيات القرن المنصرم، كان الحديث عن عصر الجليد القادم لا محالة، حيث تبرد الكتلة الحرارية للشمس، ومعها تتعرض الأرض لموجات من الصقيع، وهو ما حدث قبل نحو مائة ألف عام.

تاليا، وخلال العقدين الماضيين، تراجع هذا الطرح، وحلت مكانه إشكالية الاحتباس الحراري، حيث رد العلماء ما يجري من ارتفاع في درجات الحرارة لزيادة غاز ثاني أكسيد الكربون، كضريبة لعصر ما بعد الثورة الصناعية، وزيادة وتيرة القضاء على الغابات، رئة هذا الكوكب المتألم إيكولوجيا.

واليوم ها هو الجفاف يضرب غالبية بقاع العالم، فقد أصاب نحو 47% من القارة الأوروبية، كما أن مساحة ثلثي القارة باتت مهددة بالجفاف.

لم يتوقف المشهد عند القارة العجوز، بل امتد إلى أمريكا، مالئة الدنيا وشاغلة الناس، والتي بدأت بعض أنهارها في الجفاف، كما الحال في ولاية تكساس، الأمر الذي كشف عن آثار أقدام كان الماء يُخفيها سابقًا، تعود لديناصورات قبل نحو 113 مليون سنة على الأرجح.

أما في الغرب الأمريكي، حيث نهر كولورادو، فإن المنطقة تشهد جفافًا هو الأسوا منذ 1200 عام، الأمر الذي أدى إلى ظهور توترات بين الولايات بشكل صارخ، مع إعلان مكتب استصلاح الأراضي فشله في التوصل إلى اتفاق حول كيفية خفض استخدام المياه بنسبة 15%.

هل سيوفر الجفاف قارة أفريقيا؟

قبل بضعة أيام، قال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمم المتحدة، إن هناك ثلاث دول في القارة السمراء سوف تتأثر حكما بقلة الأمطار، وباحتمالات الجفاف، وهي إثيوبيا، وكينيا، والصومال.

وبالارتحال إلى أمريكا اللاتينية نجد الأرقام تكشف عن عدد قياسي من الحرائق في غابات الأمازون في البرازيل، في مؤشر جديد إلى الدمار الذي يلحق بأكبر غابة مطيرة في العالم، والتي تعرف أيضا باسم الجهاز التنفسي للكرة الأرضية.

ماذا يعني ما تقدَّم؟

بداية وقبل كل شيء، يمكن الجزم بأن الطبيعة غاضبة من البشرية إلى حد الانقلاب عليها، فالجفاف حكما مرتبط بارتفاع درجات الحرارة، والذي تسبب فيه البشر بتصارعهم على المنافع الذاتية قصيرة الأجل، حتى وإن أدت إلى ظهور علامات تبدو متضادة، ففي حين يعم الجفاف مناطق، نجد السيول والفيضانات تُغرق أماكن أخرى، وبشكل يتسبب في حدوث كوارث لا قِبل للبشر بها.

أضف إلى ذلك أنه من بين أسباب الجفاف، تراجع التساقطات الثلجية خلال فصل الشتاء الماضي، ما أدى إلى تراجع حجم المياه التي تندفع عادة من الجبال، كما ارتفع منسوب استهلاك النباتات للمياه، لأنها تعاني من الجفاف وتراجع خصوبة الأرض.

الأمر الآخر موصول بالخسائر المتوقعة على البشرية بشكل عام، ذلك أن المزيد من الجفاف في أوروبا، على سبيل المثال وبحسب خبراء اقتصاد، سيؤثر في الناتج الداخلي الخام لأوروبا، وتوقعت دراسة أن نمو الناتج الداخلي الأوروبي سيتراجع مقارنة بالسنوات العشر الماضية، خاصة حال إضافة تلك التوقعات إلى الآثار السلبية لتفشي فيروس “كوفيد-19″، ناهيك بالآثار المتوقعة لتبعات الحرب الروسية-الأوكرانية.

ما الذي يهمنا في الشرق الأوسط، ومنطقة الخليج العربي على نحو خاص، وسط أزمات الجفاف واحتمالات تزايد منسوب الشُّح المائي يوما تلو الآخر وعامًا بعد سابقه؟

يمكن القطع بأن الخطْب جللٌ وعن حق، ما يستدعي أولا رؤى وأفكارًا غير مُقوْلبة، ومن خارج الصندوق التقليدي، تسعى في سبيل البحث عن أفضل الوسائل للحفاظ على ما لدينا من مياه عذبة وترشيدها لصالح الاستخدامات البشرية، وتاليا الأخذ بالطرائق العلمية القادرة على تحلية مياه البحار، واستخدامها في الأغراض الحياتية الأخرى، لا سيما الصناعة والزراعة.

في هذا السياق يمكن القطع بأن الطبيعة تعلن نوعًا من أنواع الحروب على البشر، وفي زمن الحروب يلتئم شمل الأمم والشعوب، وهو المطلوب عربيًّا وبأسرع وقت، فالتنسيق لمواجهة الشح المائي لا يقل أبدا عن الاستعداد للحرب.

التنسيق العربي-العربي مطلوب على وجه متعجِّل، فكثير من المحاصيل العالمية، وفي مقدمها الحبوب الغذائية، ستتعرض إلى تراجع المعروض منها بسبب الجفاف، ما يعني ندرتها من جهة، وارتفاع أسعارها من جهة ثانية، والندرة نذير شؤم مرتبط بظاهرة الجوع، والجوع طريق لعدم الاستقرار والاضطرابات المجتمعية، وصولا إلى تهديدات للأمن القومي لكل دولة على حدة، ثم لكل إقليم، إلى أن يعم المشهد البشرية بأكملها.

ما الذي يتبقى قبل الانصراف؟

بالتأكيد التساؤل عما إذا كان مشهد المناخ العالمي سوف يتطور إلى الأفضل أم إلى الأسوأ.. فيما المتوقع وفي ظل أزمات الطاقة العالمية الآنية والمستقبلية، والعودة إلى الفحم الكربوني من جديد، أن تعبير “الراحل كوكب الأرض” للكاتب الأمريكي هال ليندسي سيكون عنوان الحقبة التالية في تاريخ عالمنا المعاصر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى