الفلسطينيون يترقّبون: هل يصلح بايدن ما أفسده ترامب؟
لطالما انتظر الفلسطينيون مغادرة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، للبيت الأبيض على أحرّ من الجمر؛ بسبب الخروقات التي أحدثها في قضيتهم لصالح الاحتلال الإسرائيلي، وسعيه الدائم إلى تصفية القضية الفلسطينية، خلال السنوات الأربع الماضية، من أجل إرضاء نتنياهو، ودعمه لبقائه رئيساً للوزراء مدة أطول.
وأعرب فلسطينيون عن أملهم بأن يحدث الرئيس الأمريكي الجديد، جو بايدن، تغيّرات في السياسات الأمريكية، ويتراجع عن السياسة التي تبناها ترامب خلال السنوات الماضية، وأن يقوم بإحداث تغيرات جوهرية لإنهاء الصراع، والتخفيف من معاناتهم المستمرة.
وعبّر الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، عن تطلّعه للعمل مع بايدن وإدارته من أجل “تعزيز العلاقات الفلسطينية الأمريكية، وتحقيق الحرية والاستقلال والعدالة والكرامة للشعب الفلسطيني، وكذلك للعمل من أجل السلام والاستقرار والأمن للجميع في المنطقة والعالم”.
وقال رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد إشتية، في تغريدة على حسابه بتويتر: “نتطلّع إلى العمل على مسار سياسي جدّي على أساس الشرعية الدولية، وحلّ الدولتين”.
فما هو مستقبل القضية الفلسطينية بعد تولّي بايدن رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية؟ وما هي السيناريوهات المتوقعة؟ وهل سيكون بايدن أقلّ خطراً من ترامب على القضية الفلسطينية؟ وهل ستتمّ إعادة فتح مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية، ودفع المساعدات للسلطة والأونروا؟ وهل سيدفع بايدن عجلة المصالحة الفلسطينية إلى الأمام؟ وهل ستكون سياسة بايدن أقلّ حزماً من سياسة ترامب، خاصة فيما يتعلق بالضمّ والاستيطان؟ وما هو مصير نتنياهو الآن بعد رحيل ترامب؟
العودة إلى سياسة أوباما
وفي سياق الردّ على تلك التساؤلات، يقول الخبير بالشؤون الدولية، أكرم عطا الله، لـ “حفريات”: إنّ “فوز المرشّح الديمقراطي، جو بايدن، بالرئاسة الأمريكية سيوقف النزيف الذي كان يحدث في فترة الرئيس السابق، دونالد ترامب، ومجموع الضربات التي أحدثها بالقضية الفلسطينية، وسيعود إلى برنامج الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، ومن المتوقّع أن تشهد السلطة الفلسطينية انفراجاً كبيراً خلال الفترة المقبلة”.
ويضيف: “سيعود بايدن إلى تنفيذ سياسة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ويعمل على تجميد كلّ شيء فعله ترامب خلال سنوات حكمه، إضافة إلى وضع بعض القيود على دولة الاحتلال، ويمكن أن يطلب بايدن من نتنياهو تحجيم الاستيطان، والعودة إلى طاولة المفاوضات، وهذا يعدّ أفضل بكثير من فترة ترامب الذي كان ينزف فيها المشروع الفلسطيني لصالح الاحتلال”.
مجيء بايدن، في نظر عطا الله، لن يدفع بعجلة المصالحة الفلسطينية إلى الأمام؛ إذ إنّ العودة إلى المفاوضات ستضع حركتَي، فتح وحماس، أمام خيارات صعبة، فالرئيس الفلسطيني، محمود عباس، لديه رغبة بعودة المفاوضات، لكنّه لا يستطيع التفاوض، وهو شريك مع حركة حماس، التي ترفض أن تكون جزءاً من حكومة تفاوض.
ما مصلحة حماس من فوز بايدن؟
ويبيّن الخبير بالشؤون الدولية؛ أنّ بايدن سيكون أقرب من سياسة أوباما الذي كان على توافق تام مع قطر، والتي تعدّ حليفاً لحركة حماس، إضافة إلى عدم معارضته للإخوان المسلمين ورغبته بتمكينهم للسلطة في بعض البلدان العربية، وهذا سيصب في مصلحة حماس؛ كونها أحد أذرع الإخوان بالمنطقة.
ويشير إلى أنّه ليس بالضرورة أن يكون بايدن جيداً بالنسبة إلى الفلسطينيين، لكنّه سيكون أقلّ خطراً من دونالد ترامب، الذي كان يسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية، وهذا مهمّ بالنسبة لهم في تلك المرحلة.
وينوّه إلى أنّه “بعد صعود بايدن إلى سدّة الحكم سيكون وضع نتنياهو حرجاً جداً، خاصة أنّ له رؤية مختلفة عن سابقه، ويؤيّد فكرة حلّ الدولتين، ويعارض صفقة القرن، والتي من المستحيل تنفيذها خلال تواجده بالبيت الأبيض”.
سياسة مختلفة
وفي سياق متصل، يرى الكاتب والمحلّل السياسي الفلسطيني، د. عاهد فروانة، أنّ “إدارة جو بايدن الجديدة لن تكرّر ما قامت به إدارة ترامب، وستعمل على إدارة الصراع، وتجميل السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط”.
ويشير، في حديثه لـ “حفريات”، إلى أنّ “الرئيس الأمريكي الجديد سوف يسعى إلى تهدئة الأوضاع في الشرق الأوسط بعد التوتر الكبير الذي أحدثته إدارة ترامب، بفعل دعمه اللامحدود لدولة الاحتلال الإسرائيلي، ومحاولة تصفية القضية الفلسطينية من خلال ما تسمّى صفقة القرن، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ومنع الدعم عن الأونروا والسلطة الوطنية الفلسطينية، والموافقة على خطط الضمّ، وغيرها من الهدايا التي قدمها ترامب لصالح نتنياهو”.
وأعرب فروانة عن اعتقاده بأنّ إدارة بايدن ستعمل على “استعادة العلاقات مع السلطة الفلسطينية، وتقديم الأموال، والتأكيد على حلّ الدولتين، والعودة إلى المفاوضات، وفي الوقت نفسه، لن تعيد السفارة الأمريكية إلى تل أبيب، لكنّها ستحاول أن تصل إلى نقاط التقاء لتهدئة الأمور، وبالتالي، لن تتواصل الصلاحيات التي كان يمنحها ترامب لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو”.
التأثير على نتنياهو
وفيما خصّ علاقة بايدن بنتنياهو فلن تكون قوية مثلما كانت مع ترامب، لا سيما أنّ الحزب الديمقراطي، الذي يتبع له بايدن، أصبح فيه جناح يساري مؤثّر، يطالب بربط المساعدات لإسرائيل بحلّ القضية الفلسطينية، وفق فروانة الذي يتوقع أن يستأنف الرئيس الأمريكي الجديد تقديم الأموال للسلطة الفلسطينية، بعد أن أوقفها ترامب، إضافة إلى إعادة تمويل وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، الأونروا، وإعادة فتح مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية، وإعادة أموال المقاصة” الضرائب” التي تحتجزها السلطات الإسرائيلية منذ عدة أشهر.
من جهته، لم يبدُ الإعلاميّ والكاتب السياسي الفلسطيني، زاهي علاوي، متفائلاً بمستقبل القضية الفلسطينية في عهد الرئيس الأمريكي الجديد، جو بايدن، معلّلاً ذلك بأنّ الإدارة الأمريكية لا تتمثل في شخص فقط، وأنّ هناك سياسة أمريكية واضحة منذ البداية، ولا يمكن لأيّ رئيس أمريكي الوقوف بوجه إسرائيل والتخلّي عنها.
وبسؤاله عمّ سيقدم بايدن للقضية الفلسطينية، أبلغ علاوي “حفريات” بأنه “لا يمكن أن يكون الحكم الديمقراطي أفضل من الحكم الجمهوري في الولايات المتحدة، فكلاهما داعم لإسرائيل، فلم ولن يقدموا شيئاً للقضية الفلسطينية، فالرئيس باراك أوباما قدّم الدعم المالي والعسكري للإسرائيليين، ولم ينصف الفلسطينيين، واستمرّ الاستيطان وتهويد القدس ولم يُرفع الحصار عن غزة، وبالتالي بايدن لن يكون أفضل من غيره.
الانحياز الكامل لإسرائيل
ويضيف: “منذ البداية والإدارة الأمريكية منحازة بشكل كامل “لإسرائيل”؛ فهي من أوائل الدول التي اعترفت بقيام دولة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، ومن الصعب أن تتغير مواقف وسياسات الولايات المتحدة تجاه حليفها القوي بالمنطقة، بمجرد انتخاب رئيس جديد”.
وعن “صفقة القرن” قال إنها مجرّد مسمى لإلهاء العالم بمصطلح لا معنى له، وليعتبر الفلسطينيون أنفسهم أنّهم انتصروا على صفقة القرن، وحقّقوا إنجازاً كبيراً، “لكنّ الواقع مرير، فالاستيلاء على الأراضي مستمرّ والاستيطان لن يتوقف، والسلطات الإسرائيلية تهدم بيوت الفلسطينيين بوتيرة أقوى من السابق”.
ويرى علاوي؛ أنّ الشيء الوحيد الذي يمكن أن يعوّل عليه الفلسطينيون خلال تولي بايدن رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية؛ هو الإفراج عن أموال المقاصة المحتجزة لدى “إسرائيل”، لدفع رواتبهم، ولن تحدث تغيرات غير ذلك، وأمريكا ستواصل دعمها “لإسرائيل” لتستمر بسياستها العنصرية ضدّ الفلسطينيين”.