لبنان.. محاولات لتسوية النزاع البحري مع سوريا
بعد توقيع لبنان اتفاقاً لترسيم حدوده مع إسرائيل الشهر الماضي بينما يواجه البلد فراغا دستوريا بعد مغادرة الرئيس ميشال عون قصر بعبدا اثر نهاية مدته الرئيسية دون ايجاد خليفة له طالب نائب رئيس مجلس النواب اللبناني الياس بو صعب بالتواصل “مباشرة وعلنا” مع دمشق من أجل ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وسوريا.
وصرح بو صعب الذي قاد التفاوض من الجانب اللبناني خلال الأشهر الماضية مع الوسيط الأميركي أموس هوكستين بشأن الحدود البحرية مع إسرائيل، “يجب أن يكون هناك تواصل من جانب الحكومة اللبنانية بطريقة مباشرة وعلنية مع الحكومة السورية، ومن دون خجل، ومن دون أن نُدخل الخلافات السياسية الإقليمية في هذا الملف”.
وتابع “علينا أن نتواصل مع الدولة السورية علناً وأن نرسم الحدود البحرية علناً. وعلى أي حكومة قادمة أن تقوم بهذه المهمة”.
وجاءت دعوة بو صعب بعد نحو أسبوعين على إبرام لبنان وإسرائيل اتفاق ترسيم الحدود البحرية، ما أتاح لإسرائيل البدء بإنتاج الغاز من منطقة كان متنازعاً عليها. في خضم بحث الدول الغربية، والأوروبية تحديداً، عن مصدر جديد للغاز لتقليل اعتمادها على الغاز الروسي إثر الحرب في أوكرانيا. فيما يأمل لبنان الغارق في انهيار اقتصادي، ببدء التنقيب قريباً.
كما جائت الدعوة في خضم ازمة دستورية بعد انتهاء المدة الرئاسية لعون الذي وقع في اللحظات الاخيرة وثيقة استقالة حكومة نجيب ميقاتي المنتهية ولايتها.
ويتسائل مراقبون عن الجهة المخولة للسماح بانطلاق الحوار مع الجانب الدستوري في ظل الازمة الدستورية والفراغ في هرم السلطة التنفيذية.
ولبنان وإسرائيل في حالة حرب وعداء رسميا. أما العلاقات بين لبنان وسوريا فمعقّدة جدا. فقد هيمنت دمشق على لبنان لسنوات طويلة وكانت صاحبة القرار في أدنى تفاصيل السياسة العامة. الى حين انسحاب جيشها منه في العام 2005 تحت ضغط الشارع والمجتمع الدولي بعد قرابة ثلاثين سنة من الانتشار العسكري. لكن اللبنانيين لا يزالون منقسمين حولها، بين معاد لها ومتحالف معها وعلى رأسهم حزب الله.
ولا يوجد ترسيم واضح للحدود بين لبنان وسوريا لا برّاً ولا بحراً.
وقال بو صعب إن سوريا ولبنان يعتمدان طريقتين مختلفتين لترسيم الحدود، وبالتالي “هناك خلاف كبير، قد يكون أكثر من 800 كيلومتر مربع. بل يمكن أكبر من المنطقة التي كان متنازعاً عليها بيننا وبين الإسرائيليين”.
ولا يمكن للبنان بدء العمل والتنقيب في الرقعتين البحريتين 1 و2 الواقعتين الى الشمال من دون ترسيم حدوده مع سوريا، وفق بو صعب.
وأعلنت الرئاسة اللبنانية الشهر الماضي أن وفداً رسمياً سيتوجه الى دمشق لبحث ترسيم الحدود البحرية، لكن الزيارة لم تحصل.
وتراجعت كثافة الزيارات الرسمية بين لبنان وسوريا منذ الانسحاب السوري، وتقتصر إجمالاً على مبادرات فردية من وزراء وشخصيات يمثلون أحزاباً حليفة لدمشق.
وقال بو صعب إن الترسيم لا يمكن أن يتمّ بسرعة و”فجأة” بعد سنوات من الانقطاع، مضيفاً “سوريا دولة لديها مآخذ ومطالب”.
وبعد أشهر من مفاوضات مضنية بوساطة واشنطن، أبرم الاتفاق بين لبنان وإسرائيل في27 تشرين الأول/أكتوبر.
واعتبر بو صعب أن الاتفاق “يعد خرقاً نوعياً، إذ ليس من السهل التوصل إليه بالمفهوم السياسي القائم، فنحن لم نطبّع مع إسرائيل ولا عملنا علاقات سياسية أو دبلوماسية”. مشيراً إلى أن للطرفين مصلحة في الحفاظ عليه والابتعاد عن التوتر الأمني.
وغداة إعلان الاتفاق، توصل لبنان وقبرص إلى تفاهم لترسيم الحدود بينهما، بناء على الإحداثيات الجديدة المرتبطة بالاتفاق مع إسرائيل، من دون أن يوقعا اتفاقاً حتى اللحظة.
وقال بوصعب “إقليمياً، من الممكن أن نقول أن هذا التفاهم (مع إسرائيل) يعطي استقراراً”.
وأضاف “في الظروف التي تعيشها أوروبا وبالتحديد جراء الحرب الروسية على أوكرانيا، باتت هناك حاجة للاستقرار أكثر في المنطقة، حاجة لأن يهدأ البحر المتوسط وينتج الغاز ليؤمن طاقة بديلة عما خسرتْه أوروبا”.
وضمن الاتفاق للبنان الاستثمار في حقل قانا الذي يتجاوز خط الترسيم المتفق عليه بين الطرفين. وستشكّل الرقعة رقم 9 حيث يقع حقل قانا منطقة رئيسية للتنقيب ستقوم به شركتا “توتال” الفرنسية و”إيني” الإيطالية اللتان حصلتا عام 2018 مع شركة روسية على عقود للتنقيب عن النفط والغاز، قبل أن تنسحب الأخيرة خلال العام الحالي.
وتوقّع بو صعب أن تبدأ الشركتان عملهما “خلال ثلاثة إلى أربعة أشهر” فيما دخلت قطر على خط الاستثمار في الرقعة 9 بدلاً من الشركة الروسية.
وقال بو صعب “ستصبح حصة قطر 30 في المئة بموجب التفاهم بين الشركات الثلاث، و35 في المئة لتوتال و35 في المئة لإيني”.
وأشار إلى استعداد دول أخرى، عربية وخليجية، للاستثمار أيضاً. ويقول خبراء إن لبنان قد يحتاج إلى ست سنوات ليبدأ الاستثمار في القطاع.
ما بعد الخط الأحمر
وتعوّل السلطات اللبنانية على وجود ثروات طبيعية تساعدها على تخطي التداعيات الكارثية للانهيار الاقتصادي المستمر منذ ثلاث سنوات. وقد صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850.
ويشهد لبنان أيضا شللا سياسيا. فقد دخلت البلاد نهاية الشهر الماضي مرحلة شغور رئاسي مع انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، من دون أن ينجح النواب في انتخاب رئيس جديد.
وتدير البلاد حالياً حكومة تصريف أعمال عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية. خصوصاً تنفيذ إصلاحات يضعها المجتمع الدولي شرطاً لتقديم مساعدات الى لبنان.
وفي لبنان، البلد القائم على منطق التسويات والمحاصصة بين القوى السياسية والطائفية، غالباً ما يحتاج تكليف رئيس حكومة أو تشكيلها أو حتى انتخاب رئيس، أشهراً.
وقال بوصعب الذي ينتمي إلى كتلة التيار الوطني الحر الذي أسسه عون، إن اتفاق ترسيم الحدود مع إسرائيل وانتخاب رئيس وتشكيل حكومة، ستكون بمثابة “بداية الخروج من الأزمة”.
واعتبر أن لبنان لا يتحمّل البقاء أكثر من شهرين في شلل سياسي. وقال “نحن أصلا في الخط الأحمر، وإذا استمرت الأمور على ما هي عليه أكثر من شهرين. يصبح الوضع مختلفا، ولا أحد يكون قادرا على تحمّله اقتصاديا، بحيث تصبح الخدمات معدومة على صعيد المستشفيات والكهرباء والمدارس. من يتحمّل هذه المسؤولية؟”.