الإرهاب والألعاب الإلكترونية
لم تكن لعبة “صليل الصوارم”، التي أصدرها “داعش” في 2014 أولى وآخر اللعبات الإلكترونية للتنظيمات الإرهابية لاستهداف الشباب والمراهقين.
فقد سبقها قبل ذلك “حزب الله” اللبناني الإرهابي، الذي أطلق لعبة “القوة الخاصة” سنة 2003 والجزء الثاني لها سنة 2007 لمحاكاة بعض عملياتها، علمًا بأن الجماعات المتطرفة ليست الوحيدة التي استخدمت الألعاب الإلكترونية.. ورغم الاختلاف الأيديولوجي فإنها تحاكي جماعات اليمين المتطرف والنازيين الجدد في أوروبا وأمريكا وتتعلم من أساليب أخواتها في التطرف كـ”داعش” و”القاعدة”، وأطلقت سنة 2002 لعبة تسمى “التطهير العرقي”، حيث يستهدف بطل اللعبة الأقليات من المسلمين واليهود تحت شعار عنصري.
من الناحية التقنية، تتم صناعة وبرمجة هذه الألعاب بالتلاعب بالإعدادات الأصلية لألعاب الحرب والتصويب أو ألعاب العصابات والجريمة المنظمة، وذلك بإضافة شخصيات جديدة وموسيقى أو أناشيد، وإضافة أطوار للعبة تحاكي هجمات إرهابية سابقة أو أهدافا جديدة تستثير نوازع العنف عند مَن يلعبها.
وهناك أيضا بعض استديوهات الألعاب التي تستفيد من “إثارة الجدل” في تسويقها وإنتاجها لألعاب تحوي جوانب فكرية شاذة تتلاقى فيها مع العقليات الإقصائية للمتطرفين، في محاولة لتطبيع خطاب الكراهية والعنف والإرهاب ودمجه بمتعة اللعب.
وفي فترة ليست بالبعيدة، كانت منصات التواصل الاجتماعي بمختلف تطبيقاتها مرتعا خصبا للإرهابيين، ومَن منا ينسى سيل التغريدات التي تسوّق لانتصارات “داعش”، أو قنوات تليجرام المخصصة لدعم أطياف وفصائل مسلحة وجمع تبرعاتها.. ومنشورات “فيسبوك”، التي تضمنت مقاطع عنيفة ومشاهد شنيعة كانت تنتشر بسرعة وسهولة لتجد طريقها إلى نشرات الأخبار؟
ومع تشديد هذه المنصات وسائل الرقابة وسبل الإبلاغ عن هذا النوع من المحتوى، ما كان للتنظيمات الإرهابية إلا البحث عن بدائل أخرى ومساحات تمكّنها من الاستمرار في عملية التجنيد وتبادل الرسائل بينها وبين أفرادها وتوجيههم عن بُعد.
لذلك شكّلت منصات الألعاب الإلكترونية بديلا جذابا لهذه التنظيمات، ولا يقتصر ذلك على التجنيد، فمنصات الألعاب اليوم أصبحت أكثر تفاعلية، كما أنها تُمكِّن روادها من تشكيل مجموعات ومنتديات وقائمة من المتابعين يتواصل من خلالها اللاعبون، لذا يستخدمها الإرهابيون كقناة اتصال أكثر أمانا من تطبيقات التواصل الأخرى.
فلغة اللعبة تتضمن مصطلحات كـ”التفجير” و”القتل” و”القنابل” و”العبوات الناسفة”، وغيرها من المصطلحات العنيفة، إذ إنها تعبُر بسهولة ولا يمكن تكثيف مراقبتها، عكس منصات التواصل الاجتماعي، التي سيلتقط “رادارها” هذه المصطلحات، ولنا أن نتخيل كثافة هذه الرسائل عبر مختلف المنصات والألعاب التي تُلعب “أونلاين”، مثلا، في لعبة Call of Duty، التي يلعبها أكثر من ثمانية ملايين لاعب في الشهر الواحد، دون النظر إلى الألعاب الأخرى، وهو الأمر الذي يربك عملية الرقابة ويزيد تعقيدها.
ولا يقتصر أمر اللعبات الإلكترونية على كونها أداة تجنيد ودعاية وتواصل، بل تستخدم أيضا للتدريب على إطلاق النار وتعلم أنواع الأسلحة والمتفجرات، ويتدرب عليها المجند ويستخدمها في اللعبة دون وجود أي خطر عليه، بل يضيف جانب المتعة لتطوير مهاراته، وتُمكِّنه أيضا من تخطيط هجومه ورسم السيناريوهات المحتملة لذلك، فأندريس بريفنيك، اليميني المتطرف الذي ارتكب مجزرة أوتويا وهجوم أوسلو -النرويج سنة 2011- والتي أودت بحياة 77 شخصا، قد تدرب قبلها على محاكاة هجومه مرات ومرات أثناء لعبه إحدى هذه الألعاب.
الألعاب الإلكترونية هي أحد أهم قطاعات الترفيه التي يصعب تقنينها، نظرا لاختلاف قوانين ودساتير الدول ودرجة تساهلها مع الخطاب المتطرف، من باب “حرية التعبير”، كما أن درجة التزام منصات الألعاب الإلكترونية محاربة التطرف العنيف تتراوح بين الجدية وبين الإهمال، وبين عدم قدرتها على تحمل تكاليف تشكيل وحدات لمراقبة محتوى اللعبة وتجمعات اللاعبين فيها.
مثل هذه القيود الفنية والقانونية المتعلقة بالألعاب الإلكترونية تسترعي ضرورة التعامل معها وأولوية البحث عن حلول أكثر إبداعا في إطار واقعي وشامل يقطع الطريق على كل إرهابي ومتطرف.