خطأ “أردوغان” الجوهري أنه لم يتعلم من التاريخ ولا يفهم الواقع.
يرى الرجل أنه يستطيع صناعة التاريخ على “قياس رغباته وطموحاته” بصرف النظر عن إدراك حقائق الواقع والعناصر الفعلية المؤثرة فيه.
يعيش الرجل عالماً افتراضياً، يفترض فيه أن مجد العثمانيين سوف يعاد مرة أخرى على يديه، وأنه قادر بالقوة المسلحة، والاشتباك السياسي، والقرصنة البحرية، والتآمر على شؤون الدول، وبالضغوط الاقتصادية أن يعيد تبعية 29 ولاية لـ “تركيا القوية”!
لا تركيا هي تركيا، ولا العالم هو العالم، ولا أنقرة هي الأستانة الجديدة، ولا الولايات ما زالت مستضعفة وتابعة.
ظهرت قوى جديدة، وأصبح هناك مفهوم جديد لعناصر القوة في العالم، وأصبح هناك قانون دولي، وتوازنات دولية، ودول خمس كبار، وقوى نووية.
وأصبحت التكنولوجيا والاتصالات والبحث العلمي هي مثلث الفاعلية في التأثير على العالم.
لم يعد مسموحاً بوجود قرصان بحري يعبث بثروات الغير في شؤون الطاقة.
لم يعد مسموحاً أن تكون إرادة عضو واحد في منظمة مثل حلف الأطلنطي قادرة على أن ترغم وتسيطر على بقية الأعضاء.
لم يعد مسموحاً لدولة لديها صفة المراقب في الاتحاد الأوروبي أن تفرض عضويتها الكاملة في الاتحاد عن طريق الإرغام والابتزاز السياسي.
لم يعد ممكناً لدولة ليست من الخمس الكبار، ودائمي العضوية في مجلس الأمن، من أعضاء النادي النووي، أن تتوسع عسكرياً في سوريا، والعراق، وليبيا، وتبني قواعد في مدغشقر، والصومال، وجيبوتي وقطر.
لم يعد ممكناً أن يفرض حاكم صهره على شؤون المال العام، والاستثمارات الخارجية، وزعامة الحزب و”السمسرة” من كل شيء وأي شيء بلا حسيب ولا رقيب، دون شفافية، ودون حوكمة!
اسمعوا كلام أحمد داوود أوغلو أمس الأول حينما قال: “لا يمكن أن تكون تركيا أسيرة حكم رجل واحد، وتخدم مصالح فاسدة لأسرة بعينها”!
نصّب أردوغان، رغم أنه رئيس للجمهورية، من نفسه سلطاناً عثمانياً يأمر فيطاع، يقرر الغزو للغير، يسعى لتغيير جغرافية المنطقة، يسعى لاقتطاع أراضي سوريا، العراق، بلغاريا، والاستيلاء على الحدود والثروات البحرية لليونان وقبرص وسوريا ولبنان وليبيا.
هذا الخروج عن أي قانون محلي أو دولي، وهذا الانفلات في السلوك السياسي، وهذا الجنون في العلاقات بين الدول، وهذه القرصنة البحرية، وهذا الاستخدام المقيت للدين، وهذا الشحن المذهبي، وهذه الكراهية للآخر المختلف معه، وهذا الفساد السياسي العلني الذي لا يستحي من المحاسبة أو العقاب.. لا يمكن له أن يستمر.
ما يفعله أردوغان، ضد الدين، وضد الأخلاق، وضد القانون التركي، وضد القانون الدولي، وضد الاتفاقيات الدولية المنظمة للعلاقات بين الدول وترسيم الحدود البرية، وضد معاهدة الحدود البحرية.
ما يفعله أردوغان حالة شاذة تستغل ضعف الإقليم، والشروخ في الاتحاد الأوروبي، وانشغال دول حلف الأطلنطي بأنفسها، واضطراب النظام الدولي.
الخطر الأكبر الذي يهدد أردوغان الآن ليس نفاد الصبر الدولي منه، ولكن انهيار قبضته الحديدية داخل بلده تركيا.
انكشف أردوغان سياسياً أمام شعبه، وظهر ذلك في الانتخابات البلدية الأخيرة التي فقد فيها حزبه لأول مرة الفوز بمقاعد أهم ثلاث مدن: أنقرة، إسطنبول، أزمير.
انكشف أردوغان، صاحب الحلم الاقتصادي الكبير حينما فقدت العملة الوطنية أكثر من ثلثي قيمتها، وتعدى سعر الصرف أكثر من 7 ليرات للدولار الواحد.
من الممكن أن تحترم أردوغان لو كان لديه منطق متسق ومبادئ أساسية، لكنه يلعب بـ”الشعارات على مستوى التصريحات ويفرغها من مضمونها تماماً حينما يناقضها كلياً على مستوى التطبيق”.
يتحدث عن علمانية الدولة التركية التي أسسها كمال أتاتورك، ثم يصرح نجله “بلال” بالتطاول على بطل تركيا التاريخي.
يتحدث عن فلسطين وأخطاء وخطايا إسرائيل وبلاده في عهده أكبر متعامل في التصنيع العسكري معها، ولدى تركيا أكبر خط طائرات سياحي منتظم يبلغ 300 رحلة شهرياً مع إسرائيل.
يهاجم بيريز في العلن ويعتذر له بشدة في السر.
يعادي مصر بسبب أحداث ميدان رابعة ويتعاون مع “بوتين” و”روحاني” أكبر داعمين لنظام بشار الأسد.
يتحدث عن الاستبداد في العالم العربي، وبلاده يتم تصنيفها من منظمات حقوق الإنسان العالمية بأنها صاحبة أكبر عدد من المعتقلين، وأكثر مَن سجن الإعلاميين، وأكثر مَن أبعد القضاة والحقوقيين والمعارضين السياسيين.
يتحدث عن الديمقراطية، ويطالب بها، لكنه لا يعترض على هذه الحقوق التي تُنتهك في روسيا، وقطر، وإيران، والصومال، وإثيوبيا، والسودان في عهد البشير.
“الصواب والحلال والحرية والإسلام” يصنفها هو شخصياً دون الرجوع لأي مرجعيات أخرى. هو الدولة، وهو الخليفة المنتظر، وهو الصواب المطلق، وغيره عكس ذلك تماماً.
انكشف أردوغان أمام جمهوره الإسلامي، بعدما ثبت أنه “إخواني” أكثر منه “إسلامياً”.
انكشف أردوغان “الطاهر البريء” حينما ظهرت ملفات فساد أسرته وأصدقائه في سمسرات المقاولات، والسلاح، ونقل المرتزقة والعلاقات المشبوهة مع قطر، وأموال وودائع المصرف المركزي الليبي.
انكشف أردوغان حينما تحداه داوود أوغلو أن ينفي أنه اعتذر لـ “شيمون بيريز” من على هاتف أوغلو الشخصي على “مسرحية الخروج غضباً” من على منصة مؤتمر دافوس، اعتراضاً على إسرائيل.
في الجلسة لعب دور البطل العلني، وفى المساء لعب دور العميل السري.
نحن نتعامل مع ردود فعل رجل يعيش بعُقد نفسية، يعاني من خلل في الإدراك السياسي، يقوم بمحاصصة الفساد مع عائلته والمقربين منه ويسطو على ثروات الشعوب، ويسعى لتغيير خارطة الدول المستقرة بالقوة المسلحة.
نحن أمام فتوة أو “قبضاي”، “متطرف دينياً”، “فاقد للحكمة”، “منفلت سياسياً”.
علمنا التاريخ، وهو خير معلم، أن مثل هؤلاء ينتهون نهايات تراجيدية عاجلاً أو آجلاً.
تذكروا: هتلر، موسوليني، صدام، القذافي، بينوشيه، ببادوك، على عبدالله صالح، شارون، البغدادي، بن لادن، سليماني، وبقية قائمة أشباه هؤلاء آتية لا ريب فيها.
“إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ”
صدق الله العظيم
نقلا عن الوطن المصرية