تتسم العلاقات الإماراتية – الأمريكية بالثبات والعمق والاستراتيجية، فالعلاقة بين البلدين تعود إلى خمسين عاماً.
وهي متجذرة وقائمة على أسس واضحة ومتينة مستندة إلى المصالح والقيم المشتركة، عمل الطرفان على تطويرها على مدار عقود خلت، إضافة إلى سعيهما من أجل تعزيز الأمن الإقليمي، وتحقيق الازدهار الاقتصادي، ومواجهة التحديات في مختلف أرجاء العالم. وشهدت العلاقات الإماراتية – الأمريكية تطوراً هائلاً في مختلف المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والتجارية والعسكرية.
فالدبلوماسية الإماراتية لعبت، على مدار عقود، دوراً محورياً في العمل على احتواء العديد من حالات التوتر والأزمات والخلافات على صعيد المنطقة أو خارجها، وترجمت ذلك الدور المركزي من خلال تعزيز برامج مساعداتها الإنسانية والإغاثية والإنمائية والاقتصادية المباشرة وغير المباشرة للعديد من الدول النامية، خصوصاً تلك التي تشهد حالات نزاع وحروباً أو كوارث طبيعية، فضلاً عن مساهمة الإمارات الفاعلة في العديد من عمليات حفظ السلام وحماية السكان المدنيين، وإعادة الإعمار في المناطق المنكوبة بعد انتهاء الصراعات، وهو ما يجسد شراكتها المتميزة مع دول العالم، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وعملها من أجل تحقيق الأهداف النبيلة في صيانة واستقرار السلم والأمن الدوليين، ولهذا، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تعول دوماً على الدور الإماراتي الفاعل والبناء في مختلف القضايا الإقليمية والدولية، وتحرص على الاستماع لرؤيتها وتقديراتها لهذه القضايا، وكيفية التعامل معها.
وفي هذا السياق، يأتي تأكيد وزير الخارجية والتعاون الدولي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان على التزام الإمارات بالعمل عن كثب مع إدارة الرئيس بايدن للحد من التوترات الإقليمية وبدء حوار جديد، وذلك خلال مكالمة هاتفية مع المبعوث الأمريكي الخاص لإيران روبرت مالي .
الموقف الخليجي الثابت لإجراءات المغرب بشأن معبر الكركرات
وتأكيد الشيخ عبدالله بن زايد هو استمرار لموقف الإمارات الذي سبق لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في أعقاب قمة كامب ديفيد في الرابع عشر من مايو 2015، التي جمعت قادة الخليج مع الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما وكان بايدن نائبه، حيث أكد سمو الشيخ محمد بن زايد أن أمن منطقة الخليج العربي جزء أساسي من الاستقرار العالمي، وأكد على أهمية التحرك الاستباقي لمواجهة التحديات والمخاطر التي تعترض أمن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وقال: “إننا نجحنا معاً بالتعاون البناء في التحالف العربي، وبمساعدة الأصدقاء، من خلال عملية إعادة الأمل في اليمن، والتي استطعنا من خلالها وأد مشاريع إقليمية كانت تسعى لبث الفوضى والخراب والفتن في المنطقة”.
وهذه السياسة الراسخة نرى أنها ستستمر في عهد الرئيس جو بايدن، فالتعاون الوثيق واسع النطاق بين الإمارات والولايات المتحدة يشمل مجالات عديدة مهمة؛ منها الطاقة النووية والدفاع الصاروخي كذلك المساعي المشتركة لتعزيز التسامح الديني ومكافحة الإرهاب والتمويل غير المشروع والعقوبات على إيران، أيضاً مبيعات الطائرات المتقدمة من طراز F-35 وطبعاً ملف السلام العربي الإسرائيلي.
لكن الآن وكما يقال في واشنطن هناك “عمدة جديد في المدينة” هو الرئيس جو بايدن، وفق توصيف ديفيد بولوك في معهد واشنطن، وبالتالي علينا أن ننتظر قليلاً حتى تتبلور استراتيجيته الخارجية، والثابت أن الشرق الأوسط سيستمر في كونه مجالاً رئيسياً للسياسة الخارجية الأمريكية، ولكن الأولويات التي سيضعها الرئيس وفريقه هي للداخل الأمريكي والعمل على السيطرة ومكافحة جائحة كورونا وتحفيز الاقتصاد الأمريكي الذي تأثر بالجائحة، أما على الصعيد الخارجي فالأولوية، كما تشير حركة فريق الرئيس، مصوبة لإصلاح علاقات الولايات المتحدة مع أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وذلك قبل التحول بجدية إلى الشرق الأوسط، ولكن دون أن ينسوا أهميته، وهذا ما انعكس على تشكيلة الفريق المولج متابعة هذه الملفات، فهم وسطيون وذوو خبرة وقدرة، وليسوا من الجناح “الراديكالي” للحزب الديمقراطي. وبالتالي سيسعون إلى التعاون والتشاور الوثيق مع جميع حلفاء وشركاء واشنطن التقليديين في الخارج، وهنا يبرز دور الإمارات في هذا التعاون وتعزيزه في صنع السلام العربي الإسرائيلي، وهذه قضية إجماع في واشنطن، حيث يدعم كل من الديمقراطيين والجمهوريين بقوة معاهدات السلام، حيث من المتوقع أن يوظف فريق الرئيس بايدن تلك المعاهدات في مسار خرق جدي نحو التقدم العملي في السلام الفلسطيني- الإسرائيلي. والاستفادة من المساهمة التاريخية التي سجلتها أبوظبي بالفعل على هذه الجبهة لتحقيق المزيد من التقدم، وهو ما يلقى تقديراً لدى واشنطن.
كما أن شراكة واشنطن للإمارات ترتكز على أربعة محاور أكدتها ورقة سياسية صادرة عن وزارة الخارجية الأمريكية في عهد مايك بومبيو ونصت على ما يلي:
أولاً: شراكة تنمو في العمق والنطاق
إن العلاقة بين الولايات المتحدة والإمارات تتميز بعمقها المتزايد من خلال إطلاق الحوار الاستراتيجي التأسيسي في أكتوبر/تشرين الأول، ومن خلال المشاركة في معرض إكسبو 2020 دبي العالمي والشراكات الأمنية والاقتصادية الجديدة المرتبطة بإعلان اتفاقيات إبراهيم التاريخية للسلام.
وأكدت الورقة أن “الإمارات لا تزال واحدة من أكبر شركاء التصدير التجاريين لأمريكا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تجاوز إجمالي التجارة الثنائية 24 مليار دولار العام الماضي. واستثمرت الإمارات 26.7 مليار دولار في الولايات المتحدة عام 2018”.
ولفتت إلى أن “الإمارات انضمت إلى الولايات المتحدة و6 دول أخرى في توقيع اتفاقيات أرتميس بهدف توسيع الأنشطة البشرية لتشمل القمر والمريخ”، هذا وقد حققت الإمارات خطوتها التاريخية ووصل مسبار الأمل إلى المريخ.
ثانياً: دعم حقوق الإنسان
أشارت ورقة وزارة الخارجية الأمريكية إلى أن “الولايات المتحدة والإمارات ستواصلان العمل في المبادرات التي تركّز على حقوق النساء والأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة وكبار السن والعاملين، تحت رعاية حوار حقوق الإنسان”.
وتابعت: “نسعى إلى العمل معاً لتعزيز احترام حقوق الإنسان وتوسيع الجهود المشتركة لتحسين سيادة القانون ومكافحة الاتجار بالبشر”، موضحة أن “البلدين يقدران حماية الحريات الدينية”.
ثالثاً: ردع التهديدات الإقليمية ومحاربة الإرهاب
أوضحت واشنطن أنها والإمارات تتعاملان مع حظر الانتشار النووي والتهديدات الإقليمية، وتواجهان “الأنشطة الإيرانية الخبيثة”.
يذكر أن الإمارات عضو في التحالف العالمي لمحاربة داعش وتدعم مكافحة التطرف من خلال مركزي “صواب” و”هداية”، أضف إلى ذلك التعاون الوثيق في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
رابعاً: فرص جديدة للتبادلات الثقافية والتعليمية
عبرت واشنطن عن التزامها بإنجاح معرض إكسبو 2020 دبي، موضحة أنها تتعاون مع الإماراتيين وغيرهم من الشركاء لتقديم برامج من الدرجة الأولى في جناح الولايات المتحدة، وهي برامج تعرض الثقافة الأمريكية والتجارة والابتكار.
عليه وكون الولايات المتحدة الأمريكية هي دولة مؤسسات والحكم فيها استمراري مع اختلاف بسيط في ترتيب الأولويات، فإن الشراكة الإماراتية – الأمريكية ستستمر ضمن علاقة استراتيجية مستدامة وستزدهر في عهد الرئيس جو بايدن الذي تربطه علاقات وثيقة مع قيادة الإمارات، وبالتالي فإن أبوظبي ستبقى وستكون دائماً صاحبة دور فاعل وقوي في القابل من الأيام.