اخترنا لكم

تركيا وإسرائيل.. خطوات هادئة لإعادة دفء العلاقات


شهد العام الجاري خطواتٍ مهمةً لإعادة الدفء إلى العلاقات التركية-الإسرائيلية، التي توترت خلال عقد مضى لأسباب كثيرة.

فمنذ الزيارة التي قام بها الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، إلى تركيا في مارس/آذار الماضي، تشهد العلاقات بين البلدين خطوات هادئة مدروسة أسست لما يمكن تسميته إعادة الثقة بينهما لبناء شبكة مصالح متبادلة، وهي مصالح متجذرة منذ عقود، وعلى هذه الأرضية شهدت العلاقات بينهما تسارعا إيجابيا مؤخرا، لعل من أهم ملامحه:

1-إعلان البلدين في السابع عشر من الشهر الماضي استعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بينهما، وإعادة السفراء والقناصل، وحسب رؤية الجانبين، فإن هذه الخطوة ستُسهم في دعم وتعزيز الاستقرار الإقليمي.

2-استقبال ميناء حيفا الإسرائيلي قبل نحو أسبوع أول سفينة حربية تركية منذ 12 عامًا في مشهد غير مألوف، ومع أن السفينة كانت في مهام دورية لقوات حلف شمال الأطلسي “الناتو”، فإنها حملت مؤشرًا مهما لتطور العلاقات الأمنية والعسكرية بين البلدين.

3-توقيع البلدين على اتفاق طيران يسمح بعودة طائرات الجانبين إلى مدن البلدين، وكانت مسارعة الجانبين إلى المصادقة على الاتفاق مؤشرا كبيرا إلى رغبتهما في تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية والسياحية بينهما في المرحلة المقبلة.

4-زيادة وتيرة الاتصالات السياسية على أعلى المستويات بين البلدين، إذ إن الاتصالات على مستوى الرؤساء ووزراء الخارجية، وإعلان العزم على تطوير العلاقات، وتخطي الخلافات والإشكاليات بينهما، وغياب الانتقادات التي وسمت العلاقات بين البلدين خلال العقد الماضي، باتت سمة لافتة في العلاقات التركية-الإسرائيلية في الأشهر الأخيرة.

وإذا كانت هذه الخطوات الإيجابية في مسار العلاقات التركية-الإسرائيلية تؤسس لعهد جديد بينهما، فإن ثمة عوامل ومصالح حيوية تقف وراء ذلك، أهمها:

1- الرغبة التركية في نقل غاز إسرائيل من “المتوسط” عبر أراضيها إلى أوروبا.. فمنذ إعلان اكتشاف كميات كبيرة من الغاز في البحر المتوسط، وطرح مشاريع إقليمية لنقل هذا الغاز إلى أوروبا، لم تتوقف تركيا عن إبداء رغبتها في جعل أراضيها ممرًّا لنقل هذا الغاز، ما يؤكد أن الغاز يشكّل كلمة السر في الانعطافة التركية نحو إسرائيل.

2- رغبة إيران في وقف التحول التركي تجاه مصر ودول الخليج العربي وإسرائيل شكّل عاملا تركيا داخليا لتطوير العلاقات مع هذه الدول في إطار الصراعات الإقليمية الجارية في المنطقة.

3- حجم المصالح التاريخية المشتركة بين تركيا وإسرائيل، إذ إنه رغم التوتر الذي ساد علاقات البلدين خلال السنوات الماضية، فإن العلاقات الاقتصادية والتجارية بينهما ظلت قوية في ظل التقارير التي تشير إلى أن حجم التبادل التجاري بينهما تجاوز 8 مليارات دولار، كما أن إسرائيل طرف قوي في العديد من الصناعات العسكرية التركية، فضلا عن حركة السياحة الإسرائيلية القوية لتركيا، خاصة وسط تحديات أزمة الطاقة عالميا بعد الحرب الروسية-الأوكرانية.

4- إحساس تركيا بأهمية المشاركة في مسار الاتفاق الإبراهيمي للسلام بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، إذ إن تركيا، التي كانت أول دولة إسلامية اعترفت بإسرائيل عام 1949، ترى من الأهمية المشاركة في النظام الإقليمي الجديد، الذي يتشكّل في المنطقة لدعم الاستقرار والسلام والتنمية والتكامل الاقتصادي، بعد عقود من الصراعات المدمرة، ولعل ما يزيد هذا الإحساس كونها دولة إقليمية مؤثرة في أحداث المنطقة وتطوراتها ورسم ملامحها.

هذه التطورات والعوامل توحي بأن العلاقات التركية-الإسرائيلية بدأت تقف على أعتاب مرحلة عهد جديد، مدفوعة بالمصالح المشتركة، والرغبة في تعزيز الاستقرار الإقليمي، في ظل موجة توتر وحروب تسود العديد من النزاعات في العالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى