على مدى سنوات طويلة منذ انتقال ميليشيا الحوثي الإرهابية من طرف نزاع في الملف اليمني إلى أداة طيّعة وورقة ابتزاز بيد ملالي طهران والذراع العسكرية على طريقة «حزب الله» في لبنان من خلال التحول إلى دولة داخل دولة، بما في ذلك اقتصادات الميليشيا وطريقة تجريفها للمجتمعات المحليّة، وهو الأمر الذي سبّب إرباكاً في التعامل مع «حزب الله» من قبل المجتمع الدولي بمؤسساته ودوله الكبرى قبل أن تتحول أزمة تصدير الآيديولوجيا الثورية لملالي طهران إلى أزمات عابرة للقارات للدول ذاتها التي بدأت تعيد النظر، إلا أن التردد في التعامل مع ميليشيا الحوثي والارتباك والإرباك لا يزال قائماً بسبب أخطاء كبرى في موضعة الميليشيا كسبب للأزمة وليس نتيجة لها، ومن جهة ثانية محاولة تعريفها كطرف نزاع سياسي وليس مصدراً للأزمة، وبالتالي فكل نتائج الحالة اليمنية المروّعة وانعكاساتها على الانهيارات العميقة والانكسارات الإنسانية وتهشم مؤسسات الدولة، هي جزء من فاتورة عبث الميليشيا باليمن بسبب اختطافها للشرعية أولاً ثم تهديدها لليمنيين المنفصلين عن مسار الميليشيا الآيديولوجي وإن تشاطروا معها مسرح الأحداث.
فما قامت به الميليشيا هو إعادة أدلجة الحالة اليمنية ومؤسساتها لصالح آيديولوجيا «أنصار الله» الحوثي مع استغلال تعاطف المجتمع الدولي مع الحالة اليمنية وتحويله إلى دروع سياسية وحقوقية توازي تحشيد المدنيين كدروع بشرية، ثم لاحقاً التمادي في استهداف الشعب اليمني عبر زرع الألغام واختطاف المراهقين وتجنيدهم وسرقة المساعدات الإنسانية وإعادة بيعها وبناء اقتصادات متكاملة مبنية على سلوك العصابات والتنظيمات المتطرفة، بما يتجاوز ما فعله كل من «داعش» و«القاعدة» بسبب حالة الارتباك وموضعة «أنصار الله» كمنظمة إرهابية.
قبل الانتخابات الأميركية أعيد فتح ملف تصنيف الحوثيين و«أنصار الله» كمنظمة إرهابية، الأمر الذي كان خيار إدارة ترمب وجزء من استراتيجيته سياسات الإرغام تجاه طهران، لكن حالة الانقسام الأميركي ومآلات الانتخابات قد تعيد عرقلة هذا الملف، وهو الأمر الذي تعيه إيران جيداً وتحاول استغلاله في إعادة الحوثيين إلى المشهد اليمني كطرف نزاع عبر استفزاز السعودية بعمليات كان آخرها استهداف منشأة نفطية في مدينة جدة، إضافة إلى سلسلة الصواريخ الباليستية التي عادة ما يتم استخدام تأثيرها الإعلامي والحربي بمساندة حلف الأزمات، خصوصاً قناة «الجزيرة» وأخواتها ومنصّاتها الرقمية، وكذلك الناطقة بالإنجليزية التي تكرّس كل محتواها التضليلي في تعميق الإرباك حول إرهاب الحوثيين باعتبارهم طرف نزاع مغلوباً على أمره وأن استهدافه ليس إلا ردة فعل، وهي الرسالة التي يتحالف بسبب لغتها وادعاءاتها وشعاراتها الحقوقية الكاذبة والمضللة أجنحة اليسار والمتعاطفون مع دول العالم الثالث في الإعلام الغربي، وبسبب هذا المحتوى تتضخم الصورة النمطية عن الحوثيين لا علاقة لها بالسلوك على الأرض الذي يتجاوز استهداف السعودية إلى تجريف الحالة اليمنية واستهداف اليمنيين ومؤسساتهم واقتصادهم وصولاً إلى سرقة المساعدات الإنسانية، بما يتجاوز في تأثيره وانعكاساته الكارثية باقي المنظمات الإرهابية التي لم تتردد القوى الدولية في تصنيفها، كما هو الحال مع تنظيم «الشباب» في الصومال، وهو ما يلقي بظلاله على حالة التمييز في الصورة النمطية عن التنظيمات الإرهابية والتفريق بينها بشكل طائفي وبشكل معكوس، حيث التنظيمات التي لا تتلبس شكل الدولة وتتم مكافحتها من دول المنطقة تحاول لفت الأنظار والتجنيد عبر استهداف القوى الغربية، فيتم التعامل معها وتعريفها واستهدافها والضغط على دول المنطقة حيالها، بينما التنظيمات الإرهابية التي تعمل بالوكالة لصالح ملالي طهران ويتم إرسال خبراء من «الحرس الثوري»، إضافة إلى تهريب الأسلحة والمعلومات والدعم اللوجيستي وتقوم بعمليات نوعية تهدد الملاحة العالمية، يتم التعامل معها على أنها طرف نزاع لا أكثر، بل وتستحيل إلى كارت سياسي ضاغط على الجانب الحقوقي والإنساني، كما هو الحال مع المعارضات السياسية المهاجرة، بسبب أن تهديدها للقوى الغربية غير مباشر. وهذه الازدواجية رغم قدمها باتت الآن أكثر انكشافاً مع تضخم تأثيرات مشروع إيران في المنطقة ومخرجاته الحربية والتدميرية.
التردد في تصنيف جماعة الحوثي ليس إلا واحداً من تناقضات المجتمع الدولي التي استحالت إلى ألغاز سياسية في الانحياز غير المبرر في التعاطي مع ملفات المنطقة، فإذا كان الدعم الأساسي لتنظيم الحوثي يأتي من طهران الخاضعة للعقوبات الأميركية بما في ذلك التصنيف لـ«الحرس الثوري»، فإن حجة معارضي التصنيف من التيار الديمقراطي وأصوات اليسار في منظمات حقوق الإنسان التي مفادها أن ذلك يعقد إمكانية خوض أي محادثات سلام معهم، هي حجة هشة للغاية، لأن الحوثيين لا يتصرفون كطرف نزاع وإنما ميليشيا تتلبس حالة الدولة وتتحدث عن انتصارات وتهديدات تستهدف دول الخليج: السعودية والإمارات بشكل أخص، وشعارات لكسب الشارع ضد إسرائيل وأميركا مع التباكي عبر مبعوثين سياسيين ومدنيين في المنظمات الحقوقية الدولية والتقارير الصحافية التي تتجاهل التأثير الحوثي على الداخل اليمني من قتل وتجويع وسجن العديد من المدنيين.
تصنيف الحوثيين – جماعة أنصار الله كمنظمة إرهابية هو مطلب خلاصي للحالة اليمنية وحتمي في إعادة الحالة اليمنية المختطفة وإيقاف استهداف دول المنطقة والاقتصاد العالمي، وحتى تصنيفها كمنظمة إرهابية هو أقل من المعادل الموضوعي لسلوكها الذي يقتضي تصنيفها كمنظمة إرهابية عالمية على غرار مثيلاتها كـ«القاعدة» التي هي أيضاً حظيت برعاية الملالي بعد انهيارها، لأن هذا التصنيف المستحق من شأنه تجميد أصول الحوثيين ومنع أعضاء الجماعة من السفر إلى الولايات المتحدة، والأهم أنه سيعرض أي شخص يقدم الدعم للميليشيا لعقوبات جنائية، وهو ما سيؤثر على فوضى مسألة المساعدات الإنسانية التي يسيطر عليها الحوثيون وقادتهم ويقومون بتحويلها إلى رؤوس أموال حربية تستهدف اليمنيين بالدرجة الأولى.
الإعلان المتكرر من القوى الدولية، ومنها الولايات المتحدة، عن قلقها ومخاوفها إزاء تصاعد اعتماد الحوثيين على إيران التي تزودهم، وفقاً للتقارير الدولية والتحقيقات المستقلة، بالصواريخ والطائرات من دون طيار والتدريب، وهو ما مكنهم من التحول إلى استراتيجية استهداف المطارات والبنى التحتية الحيوية واستغلال الأزمة اليمنية وانعكاساتها الإنسانية الكارثية لزيادة وتيرة العمليات، واستغلال حالة الارتباك في التعامل معهم وتصنيفهم رغم تصنيف «الحرس الثوري» الإيراني الذي تحول إلى مظلة رعاية عسكرية لميليشيا الحوثي بعد تصفية قائده… هذا الارتباك السياسي حيال ميليشيا الحوثيين الإرهابية يجب ألا يظل حبيس التداول السياسي البارد وحساباته المصلحية الحزبية الضيقة، لأنه بالنسبة لليمنيين واليمن وجيرانهم باتت مسألة حياة وموت وأمن مستدام لا يمكن التفريط فيه!
نقلا عن الشرق الأوسط