تهليل الإخوان لفوز بايدن: هل يعيد عقارب الساعة للوراء؟
في خطوة ذات دلالة أصدرت جماعة الإخوان المسلمين في مصر أول من أمس بياناً صادراً عن القائم بأعمال مرشد الجماعة، إبراهيم منير، بخصوص فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن بانتخابات الرئاسة الأمريكية، ثمنت فيه العملية الانتخابية وهنأت بايدن بفوزه الذي وصفته بأنه “الفوز الذي يبرهن على أنّ الشعب الأمريكي ما زال قادراً على فرض إرادته”، كما تمنّت الجماعة لبايدن والشعب الأمريكي دوام العيش الكريم، وتوجهت بنداء إلى الإدارة الأمريكية الجديدة تطالبهم بمراجعة سياسات دعم ومساندة ما أسمته الدكتاتوريات.
جاء البيان المتسق مع حالة الفرحة العارمة التي اجتاحت الجماعة، قيادة وأعضاء، ليؤكد أنّ كل ما قيل عن التحالف بين الإخوان والديمقراطيين حقيقي، وإن أنكرته الجماعة سابقاً، حمل البيان مفردات تشي بتلهّف الإخوان لقدوم الديمقراطيين لتحقيق مطالبهم؛ فعندما يؤكد منير في بيانه بأنه “قد آن الأوان لمراجعة سياسات دعم ومساندة الدكتاتوريات، وما ترتكبه الأنظمة المستبدة حول العالم من جرائم وانتهاكات في حق الشعوب”، لا يعبر فقط عن أمنياتهم بالعودة للحياة السياسية في مصر والعالم العربي، إنما يؤكد مطلبه بالثأر من الحكومات التي تعارضهم، وإزاحتها عن الحكم”.
هذا البيان بمطالبه كشف عن سطحية التفكير السياسي الإخواني، صحيح أنّ الجماعة تحالفت مع الديمقراطيين لإزاحة دونالد ترامب، على أمل عودتهم كلاعب أساسي في الساحة السياسية العربية لكنهم نسوا أنّ بايدن كان ضد مشروع باراك أوباما عندما كان نائبه، والسنوات الأخيرة أثبتت فشل المنحى الذي انتهجته إدارة رئيسه السابق، وخسرت بسببه بلاده كثيراً، فضلاً عن أنّ الإخوان خسروا كل معاركهم كما خسروا قوتهم وسطوتهم على الشارع المصري والعربي، ولم يعودوا يصلحون كحليف، فهل يمكن أن يراهن بايدن على حصان خاسر، ويورط أمريكا مجدداً أو يضحي بعلاقاتها مع الدول العربية من أجلهم؟
من المعلوم أنّ السياسية الأمريكية لها توجه عام ولكنها ليست سياسة صماء، بل تقرأ المعطيات على أرض الواقع، والواقع يقول إنّ الإخوان لن يتمكنوا من أداء دورهم السابق الآن، وأنّ الدول التي رفضت مشروع (الإخوان والديمقراطيين) هم أقوى وأصلب مما كانوا عليه إبان تلك المرحلة، أيضاً أمريكا الآن ليست كأمريكا قبل عشرة أعوام، ربما يصنع الديمقراطيون للإخوان دوراً وظيفياً جديداً لكنه في أحسن الأحوال ليس أكثر من ورقة ضغط على الحكومات العربية.
أيضا كشف البيان ضمور الخيال السياسي الإخواني، الذي يقف عند لحظة توليهم الحكم بموافقة ومباركة أمريكية، ولأن عقارب الساعة لن تعود للوراء، فما كان يمكن في أعقاب أحداث الـ 25 من يناير2011، صار مستحيلاً اليوم، فالمعطيات الدولية اختلفت، وتغيرت موازين القوى الإقليمية، وظهرت قوة جديدة كالتحالف العربي الرباعي (الإمارات والسعودية ومصر والبحرين) الذي لا يمكن تجاهله، كما لم ينتبهوا أنّ متغيرات عديده تغيرت بوجود نظام مصري قوي يساهم بقوة باستقرار وأمان وتأمين المنطقة، وطوّر من علاقاته وشراكاته بالاتحاد الأوروبي، وأنشأ منظمة غاز المتوسط؛ وتلك النقطة مفصلية لمن يدرك ويفهم العقلية السياسية الأمريكية.
اتسم البيان بلغة تحريضية تفتقر إلى الوقار السياسي ضد بعض دول الوطن العربي التي ترى الجماعة أنها “دكتاتوريات”، في دلالة لاستقوائهم بالخارج لا يمكن تجاوزها، وهذا الاستقواء يفتح ملف الإخوان كجماعة وطنية من الأساس في ظل علاقتها الشائكة مع الاستخبارات الأمريكية والبريطانية، ولعل المراسلات التي كشفت عنها الخارجية الأمريكية أشهر إثبات على تآمر الجماعة على مصر، فضلاً عن نداءاتهم المتكررة للإدارة الأمريكية بالتدخل في الشأن المصري، سواء أثناء اعتصام رابعة أو الوفود الإخوانية التي توالت على البيت الأبيض والكونغرس الأمريكي لتحرض ضد الدولة المصرية.
وفي هذا السياق، يقول الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية، عمرو فاروق، إنّ جماعة الإخوان في مجملها جماعة وظيفية يتم استخدامها لتغيير سياسات المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط، مستدركاً في حديثه لـ”حفريات”: لكن ليس معنى هذا أنّ الإدارة الأمريكية اليوم، ستعيد استراتيجية أوباما التي وظفت الإخوان لتغيير الخريطة السياسية وإسقاط الأنظمة العربية، لاعتبارات متعددة، منها مثلاً سقوط الجماعة سياسياً وشعبياً، وتراجع مشروع تيارات الإسلام السياسي في العمق العربي والأوروبي، وتغيير الأوضاع السياسية في الشرق الأوسط بشكل عام.
وأضاف فاروق “لكن جماعة الإخوان ما زال لديها طموح بالظهور على المسرح السياسي مرة أخرى، ما يدفعها للتودد للإدارة الأمريكية بقيادة الديمقراطيين، والاستفادة من تطابق الأجندة السياسية بينهم فيما يخص منطقة الشرق الأوسط”.
وأوضح فاروق: الإخوان لديهم مطامح ومكاسب يرغبون في تحقيقها من خلال الإدارة الأمريكية برئاسة جو بايدن، بإعادتهم كلاعب أساسي في المشهد السياسي، وإعادة تركيب المنطقة العربية بما يحقق لها التواجد السياسي والعربي، في سوريا واليمن وليبيا، فضلاً عن عرقلة تصنيفها على قوائم الإرهاب، لا سيما في المنطقة والعمق الأوروبي، ودخولها كشريك أساسي في الحكومات العربية، وعدم التضييق على مؤسساتهم السياسية والاقتصادية، والإفراج عن سجناء التنظيم.
وأشار فاروق، إلى أنّ “الإدارة الأمريكية في حال توظيفها لجماعة الإخوان، ستتعامل معها على أنها مجرد أداة وظيفية فقط، للضغط سياسياً على دولهم في المنطقة، فيما يخص قضايا الحريات العامة، بما يعني أنّهم أداة للتدخلات في الشؤون الداخلية للدول العربية، فضلاً عن محاولة إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط، تحت لافتة الديمقراطيات، وفقاً لميزان القوى الإسلامية كتوجهات سنية وشيعية في مقابل الدولة الدينية الصهيونية”.
وأكد فاروق أنّ “الإدارة الأمريكية ربما ستخدم الإخوان كأداة على الأنظمة السياسية العربية في سبيل تحجيم قوى الاستقطاب الدولي مثل؛ إيران والصين وروسيا، والعودة مرة أخرى لأمريكا بشكل مطلق من خلال المصالح المتبادلة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً”.
اقرأ أيضاً: كيف ساهمت قطر في فوز جو بايدن في انتخابات الرئاسة الأمريكية
من جهته، يرى الكاتب والباحث الدكتور أحمد الشوربجي أنّ “علاقة الإخوان بالولايات المتحدة الأمريكية ليست جديدة ولا وليدة اللحظة ولا هي خاصة بالديمقراطيين دون الجمهوريين”، مؤكداً لـ”حفريات” أنّ “الأمريكان ورثوا هذه الشبكة الإخوانية مبكراً من بريطانيا، وأنّ هذه العلاقة تجلت فى العام 1978 من خلال الدعم المشترك للمجاهدين الأفغان، حيث أعطى الأمريكان الإذن لكافة حلفائها حتى يمر الإخوان دون اعتراض بحجة الجهاد ضد العدو الشيوعي”.
وأوضح الشوربجي أنّ “ما عُرف بالشرق الأوسط الجديد، تبنّاه ودعا إليه فى الأساس الجمهوريون وتحديداً في ولاية جورج بوش الابن، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عن طريق نشر ما سُمّي بالفوضى الخلاقة فى المنطقة”.
ويتابع: “ولا ننسى أنّ فرع الإخوان بالعراق كان له الدور الأكبر في ترسيخ الوجود الأمريكي هناك، وأنّ التعاون التام بينهم شجع الإدارة الأمريكية (الجمهورييين) على الاتصال بالإخوان في مصر عبر ما سمي بلقاءات النادي السويسري لتطوير التعاون الأمريكي الإخواني، إلى تنفيذ أجندة داخل الوطن نفسه، وهذا تم عقب ما يسمى بالربيع العربي 2011، لكن في ولاية الديمقراطيين (أوباما)، وهنا تظهر العديد من الشخصيات الإخوانية داخل أمريكا، مثل هوما عابدين، المساعدة الشخصية لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون وغيرها، فتم توظيف الإخوان كذراع سياسي أمريكي تحت رعاية المقاول التركي والممول القطري. لكن توقف التعاون مع الإخوان في عهد ترامب يعود لفشل المشروع وفشل الإخوان أنفسهم”.
وأشار الشوربجي إلى أنّ “الإخوان فسروا كلمة المرشح الرئاسي الديمقراطي جو بايدن أمام المؤتمر السنوي 57 للجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية (إسنا)، أحد فروع جماعة إخوان المسلمين، قبل حملته الانتخابية بأنّه وعد من إدارته المحتملة بإعادة مشروع الإسلام السياسي في المنطقة”، موضحاً: ومن هنا نفهم كلمات إبراهيم منير بعد فوز بايدن؛ حيث تمنت الجماعة-وفقًا لبيانها الرسمي- لبايدن والشعب الأمريكي وشعوب العالم أجمع “دوام العيش الكريم في ظل مبادئ الحرية والعدالة والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان”، وتوجهت إلى الإدارة الأمريكية الجديدة بنداء ينص على أنّ “الأوان قد آن لمراجعة سياسات دعم ومساندة الدكتاتوريات، وما ترتكبه الأنظمة المستبدة حول العالم من جرائم وانتهاكات في حق الشعوب”.
ويتابع الشوربجي: هذا ما يأمله الإخوان؛ متناسين أنّ المنطقة لم تعد كما كانت أيام عمل بايدن مساعداً لباراك أوباما، ومن ثم فأكثر ما يمكن أن تقوم به الإدارة الأمريكية الجديدة هو محاولة الضغط لغلق ملف صراع هذه الجماعة أو تسويته مع الأنظمة داخل المنطقة للاحتفاظ بها كالعادة ورقة ضغط كما كانت على مدار الأزمنة المختلفة، وهنا يأتى الرهان على مدى صلابة الأنظمة وقدرتها على التعامل مع هذا الملف.