تركيا

إنفصامية أردوغان بين التغزل بإسرائيل ومهاجمة معاهدات السلام


يتاجر بالقضية الفلسطينية علنا، ويخطب ود إسرائيل سرا، في خطابات مستهلكة سقطت في جميع اختبارات المصداقية.

نشاز صارخ ينضح من شعارات زائفة لطالما رفعها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بحثا عن بروباغاندا (دعاية) تؤمن له جسرا يستثمر من خلاله القضية المركزية الأولى للشعوب العربية والعديد من الشعوب الأخرى.

غير أن تغير التوازنات الإقليمية والدولية، وتبدل المشاهد السياسية، أجبرا النظام التركي على إخراج تنازلاته السرية إلى العلن، استجداء لرضى القوى الدولية، وخضوعا لاملاءات متغيرات تبدو قادرة على ابتلاع أنقرة وتحويلها إلى هامش المشهد.

ود إسرائيل
مسعود حقي جاشين؛ مستشار أردوغان للشؤون الخارجية، اختار “صوت أمريكا” ليخطب ود إسرائيل عبر بوابة واشنطن، هناك حيث يستعد البيت الأبيض لاستقبال رئيس جديد معروف بمواقف الصارمة تجاه قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان؛ المفهومين الغائبين عن النظام التركي.

مقابلة مع “صوت أمريكيا”؛ الوكالة الإعلامية الحكومية التي تموِّلها الحكومة الفيدرالية، والإذاعة الرسميَّة للولايات المتحدة، استبق من خلالها أردوغان تنصيب الرئيس الجديد لتقديم عربون “حسن النوايا” لواشنطن وإسرائيل..

وفي تصريحاته، أشار جاشين إلى أن العلاقات بين إسرائيل وتركيا على وشك تحقيق انفراجة كبيرة، مؤكدا وجود المحادثات الثنائية.

كما توقع احتمال استئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين الجانبين بحلول مارس/ آذار المقبل، مذكرا بالعلاقات الثنائية ومشتريات أنقرة العسكرية من إسرائيل.

وفي إشارة إلى المحادثات الجارية مع إسرائيل، قال مستشار أردوغان إنه “إذا خطت إسرائيل خطوة واحدة، فقد تتخذ تركيا خطوتين”.

وتابع: “إذا رأينا ضوءًا أخضر، فستفتح تركيا السفارة مرة أخرى ونعيد سفيرنا. وقد يمكننا استعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مرة أخرى في مارس. لم لا”.

وشدد على أن “إحلال السلام والأمن مهم جدًا لإسرائيل وتركيا”، دون أن يغفل التودد لـ”بايدن”، معتبرا أن الأخير يعتبر “دفعة لجهود إصلاح العلاقات”، متعهدا بأن “الكثير من الأشياء ستتغير”.

ومستعرضا تاريخ العلاقات التجارية بين الجانبين، قال جاشين إن تركيا “اشترت الكثير من الأسلحة من إسرائيل”، لافتا إلى أنه “يمكن للصناعات الدفاعية التركية والإسرائيلية المضي قدمًا معًا”.

وتطرق إلى موضوع الطاقة، قائلا إن الإسرائيليين “يكتشفون النفط والغاز حسنًا ! إسرائيل 8 ملايين شخص، أين يمكنهم بيع هذا النفط والغاز؟ أكبر سوق هو تركيا، وستكون تركيا الممر إلى سوق الاتحاد الأوروبي”.

ركوب على القضية
أردوغان الذي لم يتوقف على مدى سنوات عن عزف ملاحم الدعم والتضامن بل والتوحد مع القضية الفلسطينية، لم يجرؤ يوما على الإجابة عن سؤال محوري خلف كل ذلك الصخب: ماذا قدمت أنقرة لفلسطين طوال كل تلك السنوات الحافلة بالشعارات؟

سؤال تبادر إلى الأذهان في ظل الهجمة الشرسة لأردوغان على معاهدة السلام الإماراتية مع إسرائيل، وما تلاها من اتفاقات عربية على درب السلام.

بدا متحمسا أمام الصحفيين وهو يعلن، في أغسطس/ أب الماضي، أن حكومته تدرس إغلاق السفارة التركية بدولة الإمارات على خلفية معاهدة السلام، متناسيًا أن علم بلاده يرفرف فوق سفارة أنقرة داخل تل أبيب منذ عام 1949، وهو في ذلك سباق في إعلان اعترافه بإسرائيل؛ بل وسباق في إقامة علاقات اقتصادية واجتماعية نافذة مع تل أبيب.

ولاحقا، لم يهدأ سيل الانتقادات التركية لمسارات السلام العربية المتلاحقة مع إسرائيل، وتتالت التصريحات المستنكرة، والهجمات الكلامية اللاذعة، محاولة الركوب على الحدث، غير مستوعبة بأنه كلما علا منسوب الانتقاد كلما تعرت ازدواجية النظام وتناقضاته.

هجمات استهدفت أنظمة معينة، لكن الحرب نفسها التي أعلنتها أنقرة على الدول العربية التي اختارت السلام مع إسرائيل ضمانا لوقف ضم الأراضي الفلسطينية، هي نفسها ما كشف تناقض النظام التركي.

أنقرة وتل أبيب

العلاقات الرسمية بين أنقرة وإسرائيل بدأت في مارس/ أذار 1949، لتكون بذلك تركيا أول دولة ذات أغلبية إسلامية تعترف بإسرائيل كوطن قومي لليهود على حساب الفلسطينيين.

وحتى مع وصول حزب “العدالة والتنمية” إلى الحكم في تركيا العام 2002، لم تتغير المعادلة، بل تعززت العلاقات الثنائية بشكل ملحوظ، عبر توسيع مجالات الاتفاقيات السابقة بين الجانبين، ما نقل الأواصر إلى مرحلة “استراتيجية” غير مسبوقة.

تركيا تعتبر أيضا ثاني دولة بعد الولايات المتحدة تحتضن أكبر مصانع أسلحة للجيش الإسرائيلي، في تعاون تنامى بشكل ملحوظ خصوصا عقب احتلال أنقرة لشمال جزيرة قبرص في 1978.

أما الدعم التركي للقضية الفلسطينية، فلم يتجاوز حد ضخ أموال ضخمة لأبواق إعلامية مأجورة مهمتها إدارة حملات دعائية تروج لأنقرة ضمن محور الدول الداعمة لفلسطين، قبل أن تنفضح أكاذيب النظام بتأكيد منظمة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) التابعة للأمم المتحدة، أن أنقرة لم تقدم أي مساعدات للفلسطينيين على مدار السنوات الماضية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى