المغرب العربي

المغرب: المسيرة الخضراء المظفرة ملحمة كفاح وطني


ملحمة وحدة يوثقها التاريخ بفخر المغاربة بانتفاضتهم التي مكنت مملكتهم من استرجاع أقاليمها الجنوبية، فكانت المحطة الفاصلة التي وضعت حدا لحوالي 75 عاما من الاستعمار والاحتلال الإسباني للصحراء المغربية وإنهاء النزاع المفتعل.

دعوة من عاهل المغرب الراحل الملك الحسن الثاني استجاب لها مواطنوه ممن احتشدوا في “مسيرة خضراء” توجهت صوب الأقاليم الصحراوية لتحريرها من الاحتلال.

هكذا كانت البداية، وهناك أيضا كانت النهاية، ليمتد الحيز الفاصل بين النقطتين على محطة فارقة في تاريخ المغرب، يتناقل المغاربة تفاصيلها عبر الأجيال، ويحتفلون بذكراها السنوية.

واليوم السبت، يخلد الشعب المغربي الذكرى الـ46 لانطلاق المسيرة الخضراء التي مكنت المملكة من إنهاء الوجود الاستعماري بأقاليمها الجنوبية، في مناسبة تعيد الأذهان إلى حقبة تتشاركها الذاكرة الجماعية في المغرب بفخر واعتزاز.

“سنخترق الحدود”

علينا أن نقوم بمسيرة خضراء من شمال المغرب إلى جنوبه ومن شرق المغرب إلى غربه علينا شعبي العزيز أن نقوم كرجل واحد بنظام وانتظام، لنلتحق بالصحراء ونصل الرحم مع إخواننا في الصحراء“.

جاء ذلك في خطاب تاريخي للعاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني، ألقاه في 16 أكتوبر/تشرين الأول من عام 1975، دعا فيه شعبه إلى النفير السلمي نحو الأقاليم الجنوبية للمملكة.

وفي 5 نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه، خاطب الملك الحسن الثاني المغاربة الذين تطوعوا للمشاركة في هذه المسيرة قائلا “غدا إن شاء الله ستخترق الحدود، غدا إن شاء الله ستنطلق المسيرة الخضراء، غدا إن شاء الله ستطؤون أرضا من أراضيكم وستلمسون رملا من رمالكم وستقبلون أرضا من وطنكم العزيز“.

فكان أن لبى المغاربة النداء، وشارك في المسيرة الخضراء يوم السادس من الشهر ذاته، 350 ألف مغربي ومغربية ممن توجهوا صوب الأقاليم الصحراوية لتحريرها من الاحتلال الإسباني، في “زحف” مكن من استرجاع تلك الأقاليم ووضعت حدا لحوالي 75 عاما من الاستعمار والاحتلال الإسباني للصحراء المغربية.

سياق:

دعوة الملك الراحل الحسن الثاني إلى المسيرة الخضراء جاءت بعد تلقيه جوابا من محكمة العدل الدولية بخصوص وضعية الصحراء آنذاك وروابطها بالمملكة، في سياق استبطن نزاعا مع إسبانيا حول المنطقة الصحراوية، وذلك وسط توجه إسباني جزائري آنذاك، نحو تأسيس دولة في المنطقة تخدم مصالحهما الخاصة.

 

قال حسن بلوان، الباحث في العلاقات الدولية، إن المغرب اقترح في بداية الأمر على إسبانيا تقديم طلب مشترك إلى المحكمة، إلا أنها رفضت ذلك، شكلا ومضمونا، ثم اتجهت نحو موريتانيا والجزائر، فرفضت الأخيرة ووافقت موريتانيا على المبادرة من حيث الشكل.

وأضاف الباحث أن  “المحكمة أقرت بأن المنطقة كانت آهلة بسكان ينتمون إلى “القبائل” أو في تجمعات لها مُمثلين، وبالتالي فإنها أكدت بذلك أن المنطقة لم تكن أرضاً خلاء، وأنها كانت مأهولة بالسكان إبان استعمارها من طرف إسبانيا“.

وأضاف أن المسألة الثانية التي كانت معروضة على المحكمة، ترتبط بالعلاقات بين هذه القبائل والمملكة المغربية وموريتانيا، مشيرا إلى نقطتين: الأولى استخدام المحكمة لـ”الكيان الموريتاني”، في الدلالة إلى موريتانيا، في حين تحدثت عن المغرب كدولة. لتخلص إلى وجود علاقات بين القبائل الصحراوية والدولة المغربية آنذاك، المتمثلة في البيعة الشرعية بين الطرفين، في انسجام بين الروابط القانونية والقانون الدولي الإسلامي، كما بين الراحل الحسن الثاني في خطابه التاريخي بالمناسبة. 

وأكد حسن بلوان أن الفتوى التاريخية شكلت نُقطة انعطاف محورية في تاريخ المنطقة، لأنه بحسب قول الملك الراحل الحسن الثاني، يعتبر حُكما أكثر مما هو فتوى، أو استشارة، ليُعلن عن تنظيم المسيرة الخضراء، مع التسطير في خطابه على سلميتها، وأنها ليست إعلاناً للحرب على إسبانيا.

وبالتالي فإن خطوة الراحل الحسن الثاني، قلبت الموازين لدى خُصوم المملكة آنذاك، وقلبت الموازين لصالح المملكة المغربية، خاصة وأنه كان قراراً غير مُتوقع.

استجابة الشعب:

بمجرد انتهاء الخطاب الملكي في أكتوبر/تشرين الأول عام 1975، هب أبناء الشعب وبناته، يُلبون نداء والدهم الحسن الثاني لصلة الرحم مع أقاليمه الجنوبية.

 وشرعوا في تسجيل أنفسهم باللوائح الموضوعة رهن إشارتهم لدى مُمثلي السُلطات المحلية بمقرات سُكناهم، بحسب ما كشفه الصديق معنينو، الصحفي المغربي الذي اشتهر بتغطيته لفعاليات المسيرة الخضراء، وأحد الشاهدين على تفاصيلها.

وقد شارك في المسيرة الخضراء 350 ألف متطوع من جميع مناطق المغرب، في حين حرص الراحل الحسن الثاني على أن تكون للمرأة مكانة مهمة جداً في هذه المسيرة، مُشدداً على ضرورة أن يكون 10 بالمائة من المُشاركين نساء.

وانطلق المتطوعون نحو الصحراء حاملين الأعلام الوطنية والقرآن على متن القطارات والحافلات والشاحنات، وقد كان يرافقهم أطباء وممرضون وأفراد من القوات المساعدة والدرك وغيرهم من الكوادر والعناصر التي وفرت لتأطير وحماية المشاركين الذين كان من بينهم أيضا بعض الوفود الممثلة لبعض البلدان العربية والإسلامية.

وبذلك، انطلقت المسيرة الخضراء بشكل سلمي، وبدون أي سلاح، ما عدا القرآن الكريم والعلم الوطني، وحب الوطن والإيمان بوحدة أراضيه الترابية، الشيء الذي تكلل بنجاح هذه المسيرة.

وفي 9 نوفمبر/تشرين الثاني، خاطب الملك المغربي الراحل الحسن الثاني”أيها المتطوعون لكم التنويه الوطني من مواطنيكم ومني على ما قمتم به من عمل، وعلى ما جسدتموه من قوة سلمية فكرية قدرت على شق الأحجار وتمكنت من لفت الأنظار إليها من جميع أنحاء العالم لفته نظر الإعجاب والتقدير والإعظام“.

وفي أعقاب الخطاب التاريخي، دخل المغرب في مفاوضات مع إسبانيا تكللت باتفاقية مدريد الموقعة في 14 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1975، وهي الاتفاقية التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، ودخل المغرب بموجبها إلى العيون سلمياً، وانسحبت الإدارة الإسبانية من المنطقة يوم 26 فبراير/شباط 1976 أي قبل يومين من الموعد المحدد في اتفاقية مدريد.

الإمارات.. مُشاركة على أعلى المستويات:

دولة الإمارات العربية المُتحدة كانت حاضرة المسيرة الخضراء بتمثيل رفيع المُستوى، إذ أبى الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، إلا أن يتقاسم هذه اللحظة التاريخية مع أشقائه المغاربة، حيث انتدب فلذة كبده الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لتمثيل دولة الإمارات في هذه المسيرة.

وقد خص الملك محمد السادس في كلمته بالقمة المغربية الخليجية في الرياض، هذا الحدث بالقول “في عام 1975، شاركت في المسيرة الخضراء لاسترجاع أقاليمنا الجنوبية، وفود من السعودية والكويت وسلطنة عمان والإمارات، التي تميزت بحضور أخينا سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الذي كان عمره آنذاك 14 عاما“.

واليوم، وبعد مرور 46 عاما على هذا الحدث التاريخي الذي قاده الملك الراحل الحسن الثاني، لازال العاهل المغربي الملك محمد السادس يقود ملحمة أبناء الأقاليم الجنوبية بالمغرب وتعزيز التنمية بها، وجعلها منارة على غرار باقي أقاليم وجهات المملكة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى