اخترنا لكم

منظمة الرائد: كيف يسعى الإخوان للتمدد على أطراف أوروبا؟


يدرك الإخوان المسلمون أنّ السيطرة على المسلمين في أوروبا تكمن في السيطرة على المجالس الإسلامية المركزية، لذلك شرعت الجماعة منذ اللحظة الأولى، وبالتزامن مع عملية نقل الأموال إلى الخارج، في التمركز بالقارة الأوروبية، حيث فطن سعيد رمضان إلى أهمية تكوين مجالس وجمعيات تتبع التنظيم، وتقوم على تقديم خدمات للمسلمين في مقابل الهيمنة والتحدث باسمهم.

ومع تغير استراتيجية الإخوان في أوروبا، ورغبة التنظيم الدولي في الانتشار في مناطق الهامش الأوروبي وعلى الأطراف الجغرافية للقارة، في محاولة لاستغلال بؤر التوتر للعمل دون رقابة، كانت أوكرانيا أهمّ دول الهامش التي نشطت فيها الجماعة، رغبة في التوغل بين المسلمين هناك، ونشر أفكارها المؤدلجة تحت ستار الدعوة، وذلك من خلال الجمعيات والمجالس الإسلامية، مع السيطرة على المساجد لتكون مصدراً رئيسياً لجمع التبرعات.

شرعت الجماعة منذ اللحظة الأولى وبالتزامن مع عملية نقل الأموال إلى الخارج بالتمركز بالقارة الأوروبية

ومع الوقت يجري تكوين لوبي إخواني توظفه الجماعة للضغط حيناً، والابتزاز حيناً آخر، ومن ثم تستغله في خدمة أهدافها السياسية داخل وخارج الحدود، ويكون ذريعة للمشاركة السياسية، فالجماعة لا تكتفي بالعمل الدعوي، الذي هو بمثابة رسالة مبطنة، تخفي في طياتها نزوعاً انفصالياً، حتى وإن ادّعت العكس.

ساعدت الأوضاع الداخلية في أوكرانيا على ظهور المؤسسات التابعة للإخوان المسلمين، ففي العام 1997 أيّ بعد 6 أعوام من الاستقلال، ظهرت أهم مؤسسة إسلامية بأوكرانيا، التي ارتبطت بإيديولوجيا الإخوان المسلمين، ألا وهي اتحاد المنظمات المعروف بـ”الرائد”، الذي يتخذ من العاصمة كييف مقرّاً له، إذ يتبنّى هذا الاتحاد جملة أهداف الجماعة، ويرأسه سيران عريفوف، وهو أوكراني الأصل، يعود بجذوره إلى إثنية تتار القرم، الذين عادوا إلى أوكرانيا مجدداً بعد الاستقلال، وهو أول رئيس للاتحاد من مسلمي أوكرانيا الأصليين.

ينشط اتحاد الرائد في مجالات الخدمة العامة من خلال استقطاب الشباب وتجنيدهم بوساطة مخيمات التثقيف الصيفية، التي تقام في شهر حزيران (يونيو) من كل عام، وتختلط فيها الأنشطة الترفيهية بالممارسات الدعوية والسياسية، كما ينشط الاتحاد في حملات التشجير والتبرع بالدم، وترميم المنازل، وتقديم الخدمات في مجال التعليم الديني.

ومنذ العام 2018 تتابع الشرطة الأوكرانية أنشطة اتحاد الرائد، بعد ثبوت تلقيه أموالاً بطريقة غير قانونية من قطر، فقد داهمت قوات الأمن مقرّ الاتحاد، وعثرت على مطبوعات وُصفت بأنّها تدعو إلى الكراهية والعنف، وتكررت مداهمات الأمن الأوكراني لمقرات الرائد، حيث ألقى في المداهمة الأخيرة، التي جرت في شهر كانون الثاني (يناير) الماضي، القبض على نحو 80 شخصاً آسيوياً، متهمين بممارسة أعمال إرهابية في سوريا، وهم مطلوبون على قوائم الإنتربول الدولي.

وفي أيّار (مايو) الماضي، قامت قوات أمنية تابعة لجهاز الأمن الأوكراني “إس بي أو”، باعتقال أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، المطلوبين على قوائم الإنتربول، وذلك تمهيداً لتسليمه إلى مصر، حيث صرّح ألكسي سكريلنيك، المتحدث الإقليمي باسم جهاز الــــ”إس بي أو”، أنّ المطلوب، ويُدعى معتز محمد ربيع، “ينتمي إلى التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، ويقوم بالترويج للأفكار الأصولية بين الطلاب الدارسين من المسلمين، في منطقة بولتافا، وأنّ بلاده تخطط لتسليمه إلى مصر”.

وكشفت الأحداث النقاب عن علاقة ربيع باتحاد الرائد، فهو يعمل إماماً بجمعية الفجر التابعة لها، ما يفسّر الحملة التي قامت بها منابر الاتحاد من أجل الإفراج عن عضو التنظيم الدولي، بالتزامن مع مطالبات ممثالة لجمعيات ومؤسسات موالية في أوروبا الشرقية، وجدير بالذكر أنّ جمعية الفجر خرجت إلى النور بعد تغيير اسمها السابق، الهدى، عقب مداهمة الشرطة لمقرها، إثر تقارير كشفت عن ضلوعها في تنفيذ الأجندة الإخوانية برعاية اتحاد الرائد.

وتجدر الإشارة إلى أنّ اتحاد الرائد، الذي أصبح ذراعاً إخوانياً نشطاً في أوكرانيا، لم يكتفِ بمقرّه الرئيسي في العاصمة كييف، فقد تأسّست عدة مقار في أنحاء البلاد، خاصّة في فينيتسيا، حيث مقر المركز الثقافي الإسلامي التابع لها، ومقر جمعية الإسراء، وفي أوديسا حيث مقر جمعية المسار التابعة للاتحاد، كما ينشط الرائد في مدن: دنيبروبيترفسك، وزوبوريجا، وسومي، ولفيف، وخاركيف، وغيرها.

وهكذا، سرعان ما خرج الإخوان المسلمون عن دائرة العمل الدعوي، سعياً نحو المشاركة السياسية، وسعياً نحو التمدد عبر الإدارات المحلية، باستغلال القوانين، للحصول على تمثيل في المجالس والإدارات المختلفة، للحفاظ على وجودهم في ظل توجّس المؤسّسات الأمنية وملاحقتها لأنشطة الاتحاد المريبة.

في هذا السياق، يرى المفكر المغربي سعيد ناشيد، الباحث في الفلسفة والإصلاح الديني، أنّ “هناك منذ أعوام طويلة سباقاً بين فصائل الإسلام السياسي من أجل السيطرة على المهاجرين المسلمين في المجتمعات الغربية، وهم يعتبرون هذه السيطرة مفتاحاً أساسياً للانتصار على العالم المعاصر، وتقويض الحضارة المعاصرة من داخلها ودفعها للانهيار، لأنّ الطموح الأساسي لفصائل الإسلام السياسي كلها، هو انهيار الحضارة الغربية، بدعوى أنّها تمثل جاهلية القرن العشرين”.

وأضاف ناشيد، في حديثه لــــ”حفريات”، أنّه “في الأعوام الأخيرة تجري المنافسة من أجل السيطرة على المهاجرين في المجتمعات الغربية، فقد جعل الإخوان من المسلمين في الغرب صيداً أساسياً بالنسبة إليهم، لأنّهم يحملون جوازات سفر تمنحهم سرعة الحركة، كما دخل تنظيم داعش في هذه المنافسة، ما دفع تركيا وقطر إلى السعي نحو السيطرة على الأقلية المسلمة في المجتمعات الغربية، بزعم أنّ الإخوان هم الأقدر على تقديم الخطاب الديني الوسطي لهذه الأقليات، وهو ما يحدث الآن في أوكرانيا وغيرها”.

يجيب ناشيد: إنّ صدمة الحداثة التي يعيشها المسلم في الغرب أكثر وضوحاً ممّا يعيشه المسلم في الشرق، والمقصود في ظنه بصدمة الحداثة هو أنّ المسلم يعيش في سياق متخيل مفارق للواقع الراهن الذي يعيش فيه، فمتخيله يؤدي لمفاهيم تعود للقرون الوسطى، ما يبقيه تائهاً في عصر الغزوات والفتوحات والتوسعات الإمبراطورية، لكن في الواقع هو يعيش في إطار دولة مدنية متحضرة وبمؤسسات حديثة وعلم ومعرفة وحرّيات ودستور، وما إلى ذلك، من
الشعور بالاجتثاث، المسلم في الغرب لا سيّما الجيل الأخير الذي يشعر بقدر كبير من الاغتراب، في الوقت الذي تقدّم فيه الإيديولوجيا الإسلاموية نوعاً من الإسلام المغترب.

ويواصل ناشيد: “عندما  تقوم فصائل الإسلام السياسي بتدمير الأضرحة والمزارات، وما إلى ذلك من أشكال رمزية تربط الإنسان بالأرض، فهي في آخر المطاف، تؤكد بأنّه لا ولاء للمسلم لأيّ أرض، ولا مرجعية ترابية له، ولا خلفية وطنية، فالمسلم لدى الفصائل الإسلامية يعيش مشتتاً، يعيش في إطار مفهوم الأمّة الافتراضية، أمّة بدون أيّ مرجعية أو خلفية جغرافية، وبالتالي هذا النمط من الإسلام الاجتثاثي قد يجد فيه جاذبية أكثر، لأنّ أصل الإسلام في نظرهم لا يرتبط بأيّ مكان أو بأيّ بيئة جغرافية”.

ويلفت ناشيد إلى أنّ الدول الغربية، وكثيراً من المنظمات الغربية ذات الخلفية الحقوقية أو اليسارية، ساعدت أيضاً على تغوّل الإسلام السياسي في الغرب، وهو ما جرى في أوكرانيا في أعقاب اضطرابات العام 2014، إمّا نكاية في بعض الحكام، وإمّا في مواجهة سابقة مع بعض الأنظمة في المنطقة، أو المرجعيات القومية أو الناصرية، أو لحسابات سياسية ضيقة، لأجل تفكيك المنطقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى